غاغا عمارة القرن الواحد والعشرين

 

غاغا عمارة القرن الواحد والعشرين

حديد وغاغا
حديد وغاغا
دعونا نأخذ جولة في شارع رئيسي من عاصمة من عواصم العالم الأول أو "المتطور" سنشهد مشهداً ثقافياً ملوناً لا مثيل له. قد نرى وجوهاً وأجساداً مغطاة بالوشوم كما سنشهد ثياباً من كل الأشكال, وقد تمر بنا سيارات أقرب للمراكب الفضائية وستخرج من جيوب وحقائب الناس أحدث الشاشات الالكترونية من وسائل اتصال وغيرها.

كما ستطل علينا واجهات "مسرحية" أخرجها أصحاب المحلات لتضيف مشهداً آخر لملايين الصور التي غرق بها الشارع. ومن غير المستغرب أن نرى "بوسترات" المغنية المشهورة "ليدي غاغا", بثيابها التي -لحد اليوم على الأقل- تعتبر الأشد غرابة وبتسريحاتها المهولة وبما تطليه على وجهها من لوحات, تحوم فوق الرؤوس على "بلبورد" ضخم في نهاية الشارع.

أخيراً ربما نمر بجوار مبنى من تصميم المعمارية زها حديد ليكون المكوّن الأهم في جولتنا التي قد يختلط علينا الأمر ونحسبها في فيلم شبيه بفلم أفاتار للمخرج جيمس كاميرون.

لا شك أن العمارة لطالما كانت -مثلها مثل باقي الفنون- تعبيراً عن ثقافة الشعوب وهذه الثقافة ليست سوى انعكاساً لكل من معرفة وفطرة الإنسان. ولكن أين هذه المعرفة وهذه الفطرة في يومنا هذا؟ وإلى أين وصلتا؟

بالنسبة للمعرفة أعتقد شخصياً أنها إما توجد اليوم في أقصى اليمين أو أقصى اليسار. فإما أن نجد أعقل العلماء وأكثر الأشخاص إبداعاً وإما أن نجد أشد الجهلاء وأفقر الناس فكراً.
أما بالنسبة للفطرة فمن الممكن أن نسأل ما هي الفطرة وكيف نحددها؟

أعتقد أن الفطرة هي ما خُلق عليه الإنسان وما وُجد ضمنه منذ بدء الخليقة. هي ذاك "الربان الأتوماتيكي" كما في الطائرات. فهي ما سبّب ولا زال يسبب بقاءه ونجاته في الحياة. فالإنسان منذ وُجد ابتعد عما يسبب موته وأذاه واقترب مما سبب حياته ونفعه.

لذلك قد توصف بعض الأشكال بـ "العدائية" أو "غير المرحبة" في حين يوصف غيرها بـ "اللطيف" أو "الدافئ"...

فما يُتوقع منه الأذى حتى ولو كان لا يسببه حقاً يتم النفور منه والابتعاد عنه. وهذا ما ذكره روجر سكروتن في كتابه "جماليات العمارة" تحت اسم "المظاهر التوقعية" وشرح أن رؤيتنا للأشكال بمنظور معين كـ "العدائية" و"القاسية" وغيرها يعود إلى مفاهيم غير بصرية وليست خاصة بالعمارة حيث يقول:

"عندما أرى مادة على أنها دافئة أو طرية أو عدائية قد لا يكون ذلك مسألة اعتقاد أنها دافئة أو طرية أو عدائية. فأنا لا أتوقع أنه سيكون ضرب رأسي بجدار في قصر Pitti أشد إيلاماً من ضربه بجدار معمدانية Florintine؛ و لكن المكان الأول يمتلك مظهراً "مؤلماً" لا يمتلك الآخر".

ولكن سكروتن لم يتطرق إلى ماذا يعود هذا "المظهر المؤلم", يعود للتجارب الفطرية للإنسان ولخبرته الغريزية مع هذا الكون .وقياساً على ذلك يمكن تفسير الابتعاد عن الزوايا الحادة على سبيل المثال في الفراغات العامة ورياض الأطفال وغيرها.. فحتى لو كانت تلك الزوايا معالجة تصميمياً بحيث لا يمكنها التسبب بأي حادث إلا أنها تبقى تسبب الحذر "الأتوماتيكي" في الإنسان.

ولكن أين أصبحت تلك الفطرة اليوم؟ بوجود كل وسائل الاتصال والتقنية , وبالكم الهائل من "الغرابة" -وأقصد بها البعيد عن الفطرة المستمدة من الكون حولنا- التي يمطرنا بها الإعلام كل يوم.

هل هذا هو ما يبرر صعود نجم عمارة زها حديد في القرن الواحد والعشرين وتألّق مبانيها؟ هل هذا البعد عن الفطرة والبحث عن المغامرة هو السبب؟ فطبيعي أن يحتاج الإنسان بظل ما غيّبه عنه التطور اليوم من تحديات حياتية أن يبحث عن العمارة كما يبحث محبو القفز المظلي و الـ "بنجي جنب", و"الليدي غاغا" وغيرها...

لكن هل فعلاً نحبّ أن نقفز كل يوم من الطائرة وهل يحب جميع الشباب أن تكون زوجاتهم اللواتي سينظرن إلى وجوههن وهيئاتهم كل يوم كالليدي غاغا؟ إذا كان الجواب "نعم" يمكن إذاً أن تملأ مباني زها حديد المدن!

نحتاج بفطرتنا التي ابتعدنا عنها اليوم كثيراً أن نستمع إلى صوت الجداول وحفيف الشجر, كما نحتاج أن نتأمل رتابة الكون وانتظامه المتجلي في الأشجار المصطفة بجانب بعضها على سفح جبل. نحتاج أن نرى صفاء السماء وحركة الغيوم الخفيفة فيها معظم وقت حياتنا. كما نحتاج إلى قفزة مظلية أو لعاصفة رعدية تهز حياتنا ربما مرة أو مرتين في الحياة.


بقلم المعمارية مروة الصابوني
Dr. EMAD HANI ISMAEEL
                 Ph.D. in Technologies for the Exploitation
                 of the Cultural Heritage .
                 Senior Lecturer in the Dept. of Architecture
                 College of Engineering , University of Mosul 
                 Mosul - Iraq .
E-mail:        emadhanee@yahoo.com
                   emadhanee@gmail.com
                   http://emadhani.blogspot.com/
Tel :           +964 (0)770 164 93 74
 

تعليقات