الهوية المعمارية لبغداد ...أ.د.المهندس حيدر كمونة - جامعة بغداد


الهوية المعمارية لبغداد ...
 الهوية المعمارية لبغداد
أ.د.المهندس حيدر كمونة - جامعة بغداد : 




       إن القوانين التخطيطية تلعب دوراً مهماً في السيطرة على نمو البيئة العمرانية وبالتالي فانها تعمل على السيطرة في نمو المدن وتمنع توسعها العشوائي وذلك من خلال القوانين التي تحدد طبيعة استعمالات الارض ، وكذلك تحدد ارتفاع الابنية ومساحاتها والكثافة البنائية وكثافة استخدامها وعلاقاتها مع الطريق والرصيف والمجاورات ونوع المعالجات المستخدمة للواجهات ومواد الانهاء وكذلك ان القوانين التخطيطية هي التي تمنع الاستعمالات لنوع معين للارض في مناطق معينة.
       واننا نعلم جميعاً اهمية مدينة بغداد منذ ازدهارها العظيم في الدولة العربية الاسلامية، حيث مثلت عاصمة الدولة العباسية ومثلت العصر الذهبي للحضارة العربية الاسلامية في مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية ومثلت اعظم ما وصلت اليه الدولة الاسلامية من قوة وعزة وثراء مادي ومعنوي في عصر هارون الرشيد. وبعد ذلك مر التاريخ على مدينة بغداد كما يمر على اية مدينة اخرى بارتفاعات واخفاقات ولكنها بقيت تمثل المركز السياسي والاداري للدولة العراقية باعتبارها العاصمة وتركزت فيها الانشطة الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية والعلمية وحافظت على دورها على مستوى العراق وعلى مستوى المنطقة باعتبارها العاصمة الاكثر تأثيراً في التاريخ العربي ومنها سطعت شمس العرب على الغرب. 


       ان مدينة بغداد الان تعاني من مشكلة فقدان الهوية والخصوصية الحضارية وذلك نتيجة للانقطاع الحاصل عن التواصل مع التراث العمراني والمعماري للمدينة العربية الاسلامية وذلك منذ بداية القرن التاسع عشر ونتيجة للازدواجية في النظرة للتراث فهناك من ينظر اليه نظرة انبهار وتقديس ويدعو الى العيش في داخله وهي النظرة التي يدعو اليها المفكرون السلفيون مع نظرة اخرى تنظر الى التراث على انه قديم فيجب تركه فقط لانه قديم.
       ان هذه النظرية الحدية مع او ضد هي نظرة خاطئة للتراث. ان التراث العربي الاسلامي الذي نجد مناطق كثيرة في مدينة بغداد لاتزال تحتفظ في مناطقها التراثية ببقاياه ،هو روح متاصلة في وجدان الانسان البغدادي ولابد من البحث عنها وفهم قيمها والعمل على استلهامها بشكل معاصر، وذلك لان المدينة العراقية المعاصرة وخاصة بغداد هي مدينة ولدت في عمق التاريخ فلابد ان تحقق التواصل بين الماضي والحاضر والمستقبل عن طريق استلهام مايوجد في تراثنا من اصالة واستخدامها بشكل معاصر لايلغي التطور التكنولوجي والتقني الحديث ولكنه ايضاً لايسير بشكل اعمى خلف الافكار الغربية التي احدثت حالة من الاستلاب الفكري مكونة لدى اغلب مصممينا المعاصرين مما انعكس على تصميم العمارة وتخطيط المدينة حتى اصبحنا نشاهد كل مكونات المدينة فاقدة كل اشكال التعبير والتواصل مع محيطها الخارجي والمجتمع الذي توجد فيه وتعبر عنه.
      ان من الامثلة الموجودة في مدينة بغداد حالياً والتي نستطيع ان نطورها ونجعل منها نموذجاً لما يجب ان تكون عليه مدينة بغداد المعاصرة كونها تحمل هوية مميزة لهذه المدينة العريقة هو شارع الرشيد، حيث ان هذا الشارع يمثل بغداد العشرينيات من القرن الماضي وذلك من خلال نمط وطراز عمارته فعلى جانبيه وفي الداخل توجد الاحياء السكنية ذات النسيج العضوي المتراص والبيوت ذات الافنية الداخلية التي تتخللها الازقة الضيقة المتعرجة ذات الالتواءات لتحقيق المفاجأة في الصورة المعمارية والتنوع في الالتفاف. وهذا اول مبدأ من الضروري المحافظة عليه في تخطيط المناطق السكنية الحديثة لمدينة بغداد وذلك لكونه يمثل المعالجة المناخية الافضل للدار السكنية بوجود الفناء الداخلي مع مايخلقه من تيارات هوائية لخلق مناخ طيب داخل الدار وكذلك ماتمثله الازقة من حفظ للخصوصية وايضاً مع مايتخللها من تيارات باردة وما توفره من تظليل (علماً ان هذه المناطق السكنية قد تحول معظمها حالياً الى مخازن ومعامل لصناعات مختلفة ومن الضروري اخراجها من المنطقة لكونها تسبب التلوث البيئي للمنطقة السكنية).
- من الممكن عزل حركة السابلة عن السيارات في المنطقة وذلك من خلال منع مرور السيارات في منطقة شارع الرشيد، وتحويلها الى منطقة خاصة لحركة السابلة، وذلك من خلال خلق الانشطة الترفيهية والثقافية مع استغلال الابنية التراثية بوظائف عبارة عن متاحف للمسكوكات او المطبوعات او الاعمال التذكارية بما يشجع جلب السائحين للمنطقة باعتبارها تمثل هوية بغداد الاصيلة مع انشاء مواقف للسيارات خارج المنطقة.
- ان المنطقة زاخرة بالعناصر المعمارية المميزة لمدينة بغداد التقليدية والتي يمكن الان استلهامها في الابنية الحديثة التي يراد انشاؤها في المنطقة بالشكل الذي تتناغم مع الابنية القديمة مثل: العقود، حيث ان جانبي شارع الرشيد يمتاز بكونه مسقف المماشي ذات أعمدة(دلكات) اضافة الى استخدام الشناشيل والزخارف والنقوش الاسلامية، اضافة الى استخدام الطابوق في الواجهات.
       ان هذه العناصر المعمارية بالاضافة الى الاقواس والقباب وغيرها قد ميزت العمارة العربية الاسلامية وكذلك امتازت باستخدام الطابوق، لذلك نرى من الضروري التشجيع على استخدام تلك العناصر لعكس هوية مدينة بغداد.
- المحافظة على المقياس الانساني وذلك من خلال عدم تجاوز ارتفاعات الابنية الموجودة في شارع الرشيد حتى تحافظ على الامتداد الافقي وعلى الشعور بالاحتواء بين عرض الشارع وارتفاع الابنية الجانبية.
- العمل على تأهيل المنطقة بالابنية الخدمية بمعايير تخطيطية متجسدة من الخصوصية المحلية لمدينة بغداد وهي متجسدة في شارع الرشيد وعدم الاخذ بمعايير قياسية غربية وغير ملائمة.
- عدم وضع استعمالات مختلفة للارض في منطقة واحدة وضرورة عدم ادخال صناعات ملوثة للمنطقة لكونها ستؤثر على المواد المستخدمة في هذه الابنية.
- خلق التدرج الهرمي في الفضاءات المفتوحة على مستوى المحلة السكنية والحي والقطاع والمدينة وذلك لتسهيل عملية توفير الخدمات وتقليل المسافات وربط شبكات النقل والطرق.
- انشاء الاسواق وقدر الامكان ان تكون مسقفة وذلك لان هذه الميزة تتمتع بها المدينة العربية الاسلامية وخصوصاً اذا كانت غير ملوثة.
- ان شارع الرشيد هو منطقة تراثية تقع قرب نهر دجلة، وعليه توجد امكانية الاستفادة من النقل المائي(النهري) عند منع دخول السيارات الى المنطقة وهذا بدوره يخفف من ازمة النقل في مدينة بغداد بسبب الضغط الهائل على شبكة الشوارع في المدينة نتيجة لازدياد عدد المركبات عن الطاقة الاستيعابية.
- في منطقة تراثية اخرى من بغداد وهي منطقة الكاظمية نجد ان القوانين التخطيطية قد تعاملت باسلوب خاطئ مع المراقد الدينية، لانها فهمت ان عملية ابراز اهمية المرقد يكون بتسوية الارض من حوله. وهذا خطأ في مفهوم المدينة العربية الاسلامية حيث ان المراقد والاضرحة الدينية تكتسب هيبتها من احاطة النسيج الحضري بها ومع شعور الانسان المفاجئ عند الانتقال من الزقاق الضيق الى صحن المرقد الواسع.

        ومن هنا نجد ان القوانين التخطيطية يجب ان يضعها كادر تخطيطي عراقي كفوء ومتخصص ويكون اكثر ادراكاً لطبيعة المجتمع العراقي وطبيعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعيشية فيه، وبالتالي يكون مدركا لحركة المجتمع وطبيعة تطوره عندئذ تكون القوانين ملائمة لواقع المجتمع وذات مرونة عند تطبيقها.


 
Dr. EMAD H. ISMAEEL
                  Dept. of Architecture E-mail:        emadhanee@yahoo.com
                  University of Mosul
                  Mosul - Iraq
                  emadhanee@gmail.com
                  http://emadhani.blogspot.com/
Tel :           +964 (0)770 164 93 74
                 

تعليقات