مدينةٌ خضراء تختطف جوائز الاستدامة في كوريا الجنوبية

منطقة الأعمال العالمية في سونغ دو

رأينا سابقاً الكثير من الخطط الرئيسية في بلدانٍ تسعى إلى اتخاذ تدابير صديقة للبيئة في مشاريعها التطويرية الأحدث. أما الرغبة في تنفيذ مدينةٍ خضراءٍ منظمةٍ بشكلٍ جيد، فهي تنتمي حالياً إلى كوريا الجنوبية التي أعلنت مؤخراً عن خطتين رئيسيتين بدل الواحدة لتطوير هذه الفكرة، إحداها من تصميم نورمان فوستر والأخرى من تصميم شركة Kohn Pedersen Fox الأمريكية. حيث ابتكرت هذه الأخيرة شبكةً وظيفيةً لمشروع "منطقة الأعمال العالمية في سونغ دو" مؤلفة من 120 مبنى أخضر وسط 1,500 فدان من المساحات الطبيعية المفتوحة.

تُعرَف هذه المقاطعة أيضاً باسم "بوابة شمال شرق آسيا"، وقد تم افتتاحها رسمياً في آب 2009 كأول مدينة جديدة في العالم مصممة ومنظمة بوصفها مقاطعة أعمال عالمية. أما المطور الرئيسي لهذه المقاطعة فهو شركة غيل إنترناشونيل العقارية من نيويورك، في مشروعٍ مشتركٍ مع POSCO E&C الكورية.

تمتد هذه المقاطعة على واجهة مدينة إنشيون المائية ضمن منطقتها الاقتصادية الحرة، لتقدم هذه المساحات التي تبلغ كلفة تخطيطها 300 مليار دولار شققاً سكنياً تستوعب 75,000 مقيم وسيعمل فيها أكثر من 300,000 موظف حال إكمالها في عام 2014. كما سترتبط هذه المقاطعة بمطار إنشيون الدولي بواسطة جسر طريق عام بطول 7,4 ميل.

New Songdo Masterplan | South Korea | Kohn Pedersen Fox | 4

يمكن القول بأن هذه المقاطعة هي عبارة عن "مدينة للمشاة"، حيث تبعد المناطق السكنية الأبعد حوالي نصف ساعة فقط عن مركزها. السبب الرئيسي لهذه التسمية ينبع من حقيقة تصميم جميع المباني لكي تربط المشاة إلى مساحةٍ مفتوحةٍ وممرات مشي وركوب دراجات ومناطق تجمُّع عامة.

وتستمد هذه المقاطعة أفكارها من المباني الجذابة على المستوى العالمي فتدمجها على هذا الموقع. على سبيل المثال، ستضم خطة المشروع منتزهاً واسعاً بمساحة 100 فدان يحمل اسم "المنتزه المركزي" ليساعد المدينة في أن تصبح صديقة للمشاة. كما سيوجد هناك قنوات مائية إيطالية ومنتزهات على غرار مناطق السافانا وجادات فرنسية الطراز، بالإضافة إلى مركز اجتماع مصمم تبعاً لدار الأوبرا الشهيرة في سيدني من تصميم المعماري الدنماركي Jørn Utzon.

هذا عدا عن وجود مشفى ذي مستوى عالمي ومدرسة تحضيرية عالمية ومساحة 1,1 مليون قدم مربع مخصصة للمتاجر الراقية، وميدان غولف لإقامة بطولة نادي Jack Nicklaus الكوري للغولف.

هذا وسنتنتقل خطوط النقل الشامل بسهولة كبرى عبر تصميم المنتزهات والمباني، بينما ستتوازن المناطق السكنية العالية الكثافة بمساحاتٍ مفتوحة. فبالإضافة إلى خلق بيئةٍ خصبةٍ خضراء، ستساعد المساحات الخضراء الكبيرة في السيطرة على احتجاز مياه الأمطار والثلوج وتقليل التأثير الحراري للجزيرة العمرانية.

الجزء الأفضل في المشروع يتجسد في كون أكثر من 120 مبنى تسعى وراء الحصول على شهادة LEED، مما يجعل من سونغ دو أكبر مشروع تطويري خاص حاصل على هذه الشهادة في العالم.

ومن أجل ترجمة هذا الطموح إلى حقيقةٍ واقعةٍ، تتعاون الكثير من الاستراتيجيات الخضراء في المباني، أهمها الأسقف الخضراء ونظام إنارة LED والتوليد المشترك وأنظمة إدارة الهدر، وأخيراً المواد ذات الانبعاثات المنخفضة من المركبات العضوية المتطايرة.

كما سيتم استخدام أنظمة جمع المياه الرمادية من المباني الكبرى لمعالجتها وإعادة استخدامها في الاستخدامات غير الصالحة للشرب مثل التنظيف والري. بينما ستسخدم البركة الموجودة في المنتزه المركزي ونظام القناة المائية مياه البحر، وليس المياه العذبة، مما يساهم كثيراً في توفير موارد مياه الشرب. مع العلم أن القنوات المائية ستُزوَّد بالطاقة بواسطة عنفات الرياح، ليتم تجديد كامل الكتلة المائية كل يوم.

بالتركيز على فكرة "المدينة الخضراء"، أخذت هذه الشركة مسألة الاستدامة وتقليل انبعاثات الكربون في المدينة بعين الاعتبار في كل تصميمٍ من تصاميمها، طبعاً بفضل التعاون مع شركات الهندسة الرئيسية المشاركة في المشروع وهي آروب و Cosentini Associates.

أما بالنسبة إلى شركة Kohn Pedersen Fox فهي شركةٌ عالميةٌ تتخذ مقرها في نيويورك وتمتلك مكاتب في لندن وشنغهاي وسيئول وأبو ظبي، وهي تقدم خدمات التخطيط والعمارة والتصميم العمراني إلى كلٍّ من القطاعين العام والخاص، كما أنها حائزة على أكثر من 300 جائزة.

هذا ويكمن التحدي الأكبر لهذا المشروع في المراهنة على تحويل هذه المقاطعة إلى أكبر محور تجاري في شمال شرق آسيا، للربط بين شنغهاي وطوكيو المجاورتين.

علاوةً على هذا، ستصبح هذه المقاطعة مثالاً لنظام نقلٍ عامٍ من الدرجة الأولى، حيث ستتضمن الكثير من الحافلات والأنفاق (مع ارتباطات إلى مدينتي سيئول وإنشيون) ونظام نقلٍ مائي يمر عبر قنوات مياه البحر في المدينة، بالإضافة إلى طريق دراجات واسعة وسيارات كهربائية للإيجار. والأجمل أنها ستضم مساحات ركن سيارات مميزة للمركَبات ذات الانبعاثات القليلة.

بعد رؤية كل هذا التميز، لا يبقى لدينا أي شك بأن هذه المقاطعة الحائزة على "جائزة المدن المستدامة" السنوية الأولى ستكون نموذجاً رائعاً لما يمكن إنجازه في هذا العصر، عدا عن كونها قادرة على التكيف مع التحديات البيئية المستقبلية، وهذا الأهم.